أثارت إحدى الصحف المحلية موضوع الرجال العوانس قبل أيام قليلة، وإستعرضت بعض القصص المؤلمة لمعاناة بعض الرجال الذين لم يكتب لهم الزواج مع إشارة إلى إحصاءات غير دقيقة، وبداية لا أفضّل استخدام لفظ العنوسة سواء للرجال أو النساء، بل أميل إلى إستخدام تأخر الزواج بدلا منه، ومما جعل هذا الموضوع أكثر إثارة أن الحديث والجدل يتركزان -في العادة- حول المرأة وتأخر زواجها، فالمجتمع لا ينظر إلى الرجل بأنه عانس لسبب بسيط وهو عدم توقف القدرة على الإنجاب عند سن معينة كما هو الحال في وضع المرأة.
نحن في مجال الدراسات السكانية دائما نُفكر بالأرقام عند تناول القضايا السكانية والصحية والمجتمعية، ونعتقد أن غياب الإحصاءات السكانية الدقيقة هو سبب الإشعاعات والتخمينات حول كثير من القضايا المهمة، لذلك سأعرض في هذه المقالة بعض الإحصاءات للسعوديين من واقع بيانات تعداد السكان عام 2004 بصفة خاصة، لعدم إعلان النتائج التفصيلية للتعداد الأخير في عام 2010 حتى الآن.
يُقدر متوسط العمر عند الزواج الأول في المملكة بنحو 25 سنة للذكور و20 سنة للإناث في 2007، وتشير الإحصاءات كذلك إلى أن عدد الرجال الذين لم يسبق لهم الزواج وقد بلغوا 30 سنة أو أكثر، يصل إلى (122588)، أي 6 في المائة من إجمالي الذكور الذين لم يسبق لهم الزواج، في حين بلغ عدد النساء (85217)، أي ما يعادل 5 في المائة من النساء اللواتي لم يسبق لهن الزواج، أما الذين بلغوا سن 40 سنة ولم يسبق لهم الزواج، فعددهم يصل إلى 26 ألف (أي 1 في المائة) وعدد النساء (18984)، أي 1 في المائة من هذه الفئة، وهذه الأعداد على الرغم من صغر حجمها النسبي، إلا أنها تُعد كبيرة في مجتمع مسلم يُحث على الزواج ويمجد الحياة الزوجية.
ومن جهة أخرى، بلغ عدد الرجال الذين تصل أعمارهم إلى 40 سنة أو أكثر، وهم خارج الحياة الزوجية (59166)، أي 1 في المائة من إجمالي الذكور الذين أعمارهم 15 سنة فأكثر وعددهم (خمسة ملايين)، وبلغ عدد النساء في السن نفسها وهن خارج الحياة الزوجية (315415)، أي ما يعادل 6 في المائة من إجمالي النساء في سن الزواج البالغ عددهن (قرابة خمسة ملايين). وهذه الأعداد تشمل المطلقين والأرامل وكذلك الذين لم يسبق لهم الزواج. وعلى الرغم من التأثير الإجتماعي والنفسي للبقاء خارج الحياة الزوجية بشكل عام، إلا أن معاناة المرأة أكثر بكثير من الرجل، وفي كل الأحوال لا يمكن الإستهانة بهذه الأعداد، خاصة إذا علمنا أن كل رقم من هذه الأرقام يمثل رجلا أو امرأة من أفراد أسرنا أو أقاربنا، وليست مجرد رقما جامدا.
الأسباب التي تقف وراء تأخر الزواج كثيرة ومتشابكة، منها العوامل الإقتصادية وإرتفاع تكاليف المعيشية، وكذلك العوامل الإجتماعية، ولا يقل عن ذلك أهمية العوامل النفسية التي تعوق زواج بعض الرجال والنساء بعد تجاوز سن معينة، ولا شك أن التحول من الحياة الريفية إلى الحياة في المدن الكبيرة وما واكبها من ضعف الروابط الأسرية بين الجيران أسهم كذلك في زيادة هذه المشكلة لصعوبة التعارف وإختيار الشريك المناسب في بيئة حضرية غير متجانسة، أما صعوبة الدخول في القفص الذهبي بعد الخروج منه، فيعود في الغالب إلى نظرة المجتمع السلبية تجاه المطلقة أو الأرملة، وبدرجة أقل تجاه المطلق.
بقلم: د. رشود الخريف.
المصدر: مركز واعي للإستشارات الإجتماعية.